Tuesday, November 28, 2006

لننظر في المرآة

يخسر قضاياه‏,‏ مهما كانت عادلة‏,‏ من يلجأ إلي الصياح والاتهام والاغتيال وإلي ردود الأفعال المتطرفة‏.‏ ونحن أصحاب قضية لها حيثيات قوة وأرضية صلبة‏,‏ وأصحاب حضارة أضاءت للإنسانية طريقها‏,‏ وكان لها فضل ضخم علي أوروبا في عصر النهضة الذي أوصل الغرب إلي ما هو فيه الآن من تقدم وازدهار‏.‏وبغض النظر عن العمليات الإرهابية التي يتشدق منفذوها بالإسلام‏,‏ والإسلام بريء منهم‏,‏ فإن هناك عشرات من المواقف كان من الممكن أن تحسب مكاسبها لنا وليس علينا لو أظهرنا للعالم الوجه السمح لديننا‏.‏ لكننا فشلنا في معظم الأحيان وفضلنا علي صوت العقل أساليب الصراخ والهتاف وحرق الأعلام‏,‏ بل ذهبنا إلي أبعد من ذلك حين لجأنا إلي إصدار فتاوي بإهدار الدم‏,‏ بل وإلي الاغتيال الفعلي سواء ضد الآخرين أو بين فصائلنا‏.‏وإذا كان للغرب قوائم سوداء منذ محاكم التفتيش حتي سجن أبي غريب وجوانتانامو فإن لدينا نحن أيضا قائمة سوداء كانت أبرز صفحاتها في الأعوام الثلاثين الماضية كما يلي‏:‏في عام‏1975‏ تعرض عمر بن جلون زعيم الاتحاد الاشتراكي للقوي الشعبية ورئيس تحرير جريدة المحرر الجزائرية للاغتيال علي يد جماعة تطلق علي نفسها‏'‏ الشباب الإسلامي‏'‏في‏1977‏ تم اغتيال رئيس جامعة دمشق داخل الجامعة علي يد متطرفين ارتدوا عباءة الدين‏.‏‏1985‏ تم إعدام الكاتب السوداني محمد محمود طه في الخرطوم‏,‏ وهو في الثمانين من عمره تحت حكم النميري لاتهامه بكتابة ما يناقض الشريعة‏.‏‏1987‏ في داخل حرم جامعة أصفهان تم حرق‏80‏ ألف كتاب اعتبرها حكام طهران آنذاك منافية لتعاليم الإسلام ومعظمها كتب أدبية‏.‏‏1988‏ أصدر الخميني فتوي بإهدار دم الكاتب البريطاني سلمان رشدي لإصداره كتابا بعنوان آيات شيطانية‏'‏ يفتري فيه علي الإسلام‏.‏ وقد رصدت جائزة قيمتها ثلاثة ملايين دولار لمن يقتله إن كان إيرانيا ومليون دولار إن كان غير إيراني‏.‏ وقد اضطر الكاتب إلي الاختفاء عن الأنظار حتي الآن‏.‏ لكن فتوي الخميني فتحت الباب لفتاوي أخري ضد كتاب مفكرين‏.‏والواقع أن هذا الكتاب السخيف لا يستحق إطلاقا كل هذه الضجة التي جعلت ملايين الناس في العالم تسعي لقراءته وصنعت من مؤلفه المغمور آنذاك نجما عالميا ومليونيرا من دخل بيع الكتاب‏.‏‏1989‏ أدت المظاهرات العنيفة ضد الكتاب إلي مصرع العشرات في أعمال العنف وخاصة بمدينة بومباي الهندية‏.‏‏1991‏ تعرض الناشر الإيطالي لكتاب‏'‏ آيات شيطانية‏'‏ للاغتيال في ميلانو وتلاه اغتيال الناشر الياباني في طوكيو في نفس العام‏.‏‏1992‏ في‏8‏ يونيو تم اغتيال الكاتب المصري فرج فودة وقد أعلنت الجماعة الإسلامية عن مسئوليتها عن قتله‏.‏‏1993‏ مصرع عشرات الكتاب والمفكرين الجزائريين برصاص المتطرفين في إطار موجة العنف التي اجتاحت البلاد بعد إلغاء الانتخابات التشريعية التي جاءت بأغلبية من التيارات الإسلامية‏.‏في نفس العام أصدرت جماعة تتشدق باسم الإسلام فتوي ضد الكاتبة تسليمة نسرين في بنجلاديش لاتهامها بمعاداة الدين الإسلامي وتم حرق كتبها في معرض الكتاب ببلادها‏.‏ وقد اضطرت لمغادرة بنجلاديش وتعيش حاليا في أوروبا‏.‏‏1994‏ في‏14‏ أكتوبر طعن شاب الكاتب الكبير نجيب محفوظ صاحب جائزة نوبل في الأدب‏,‏ وكان عمره وقتها‏82‏ عاما‏.‏ وأكد الشاب في التحقيق أنه لم يقرأ كتب نجيب محفوظ لكنهم أكدوا له أنه كافر‏.‏‏1995‏ أصدرت محكمة ابتدائية حكما بتطليق الكاتب نصر حامد أبو زيد من زوجته بصفته مرتدا‏,‏ في حين أن زوجته معلومة الإسلام‏.‏ وقد رفضت الزوجة الطلاق فهاجر الاثنان إلي هولندا‏,‏ حيث يقيمان حتي الآن‏.‏في نفس العام اغتيل الكاتب الإيراني أحمد ميرلاي في بلاده علي يد متطرفين قاموا بإصدار فتوي بتكفيره‏.‏‏1998‏ اغتيال مجموعة من الصحفيين والكتاب وأساتذة الجامعات في إيران من بينهم يروز دفاني وماجد شريف ومحمد مختاري بسبب كتاباتهم التي اعتبرها المتطرفون مسيئة للإسلام‏.‏‏2000‏ صدور فتوي في الجزائر بتكفير المخرج محمود زموري وإهدار دمه‏.‏‏2003‏ اغتيال الصحفية الإيرانية زهرة كاظمي لاعتبارها مارقة‏.‏‏2004‏ اغتيال الشاعر والموسيقار الإيراني أحمد بيات مختاري في مدينة شيراز لاتهامه بالكفر‏.‏في‏2‏ نوفمبر من نفس العام تعرض المخرج الهولندي تيو فان جوخ محاولة قتل وهو من أسرة الرسام العالمي الشهير فان جوخ للقتل في أمستردام بسبب إخراجه فيلم‏'‏ خضوع‏'‏ عن أحوال المرأة العربية‏.‏في سبتمبر‏2006‏ سقطت راهبة مسيحية إيطالية بالصومال برصاص المتطرفين احتجاجا منهم علي محاضرة بابا الفاتيكان عن الإسلام والتي أثارت غضب المسلمين‏,‏ وتشرفت بكتابة مقال في نفس هذا المكان يفند ما جاء بها بالحجة والمنطق‏.‏ وللأمانة فقد كانت ردود الأفعال عاقلة بصفة عامة ورد شيخ الأزهر علي افتراءات البابا في عدة مناسبات‏.‏لكن قتل الراهبة أفسد كل شيء‏.‏وفي النهاية‏,‏ فلننظر إلي أنفسنا في المرآة ونكف عن ردود الأفعال العصبية والعنيفة‏.‏ فنحن لسنا في دار الحرب ولم تعد الأمور تحتمل إشعال فتيل الكراهية والدمار حتي وإن فعل غيرنا ذلك‏..‏ فهذا الدمار سيلحق بنا قبل أن يحيق بالغير
هذه المقالة للاستاذ شريف الشوباشي نقلا عن جريدة الأهرام‏